أوركيستر الطفولة

ماذا لو تحدث إليك ميت؟ ليس ليطلب منك رحمة، بل ليروي لك الحقيقة كاملة، تلك التي لا يملك الأحياء جرأة البوح بها. يفتح الكاتب محمد سوسي في "أوركيسترا الطفولة" الباب الصدئ للكون ، ليُقدم مذكراته التي وُلِدت في اللحظة التي توقفت فيها الأنفاس. هذه ليست قصص قبور ولا اعترافات قديس ، بل خربشات روح تتسكع في ممرات ذاكرة ، لتعزف سيمفونية متقطعة عن طفولة سرقتها يد الزمن.ستجد نفسك أمام شريط سينمائي ممزق ، حيث تتلاحق مشاهد الأمومة التي كانت سنديانة شامخة في وجه الرياح ، الأب "المجاهد" الذي لم يقاتل لأجل وسام بل لأجل الله ، والذي غادر حياتهم فجأة بحادث جرار أسال دمه على التراب. إنها حكاية الطفل الذي أدرك مبكرًا أن "الخيانة الحقيقية ليست في ترك الوطن بل في نسيان رائحة الورد" ، وتعلّم أن المنحة الرسمية التي جاءت بعد سنوات من التيه لم تكن سوى ثمن بخس لشراء صمت خيرات البلاد.اقرأ هذا الكتاب وكأنك تفتح تابوتًا مملوءًا بأسرار ، لا لتبكي على مآسي السارد، بل لتجد بين صفحاته ما فقدته من براءة ، أو لتكتشف نفسك بعد رحيلك المعنوي. فالجحيم الوحيد، كما يهمس الكاتب إليك، هو ذاكرة تتعفن في صمت. إنه دعوة إنسانية عميقة لا تنتظر حتى تموت لتعيش بجرأة. "أوركيسترا الطفولة" ليست نصًا أدبيًا، بل نبض جذور تحت التراب ، وشهادة على أن الحقيقة الوحيدة التي تستحق أن تُكتب هي تلك التي تخرج من جروح لا تندمل. هذا الكتاب لك، ولأجل كل أولئك الذين يحملون في قلوبهم قصيدة نسوا أبياتها لكن إيقاعها ظل عالقًا في ثنايا الروح.